تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. logo شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه.
shape
مجموعة محاضرات ودروس عن رمضان
18772 مشاهدة print word pdf
line-top
السلف وكثرة الصدقات حال صيامهم

وأما هديهم في الصدقات فقد عرف عنهم -رضي الله عنهم- أنهم كانوا يؤثرون على أنفسهم كما مدحهم الله، مدح الله تعالى الصحابة بقوله تعالى: وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ونزلت هذه الآية في أحد الصحابة؛ في صحابي يقال له: أبو طلحة في قصته لما أنه أخذ ضيف النبي -صلى الله عليه وسلم- ليعشيه، فقال لامرأته: هل عندك من طعام؟ فقالت: ما عندي إلا عشاء صبيتي؛ فقال: نوِّميهم إذا طلبوا الطعام، ثم إذا جاء ضيفنا وبدأ يطعم فأطفئي السراج وأوهميه أنا نأكل. فقدموا إليه عشاءهم وعشاء صبيتهم، ثم أصبحوا وقد نزلت هذه الآية: وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ولا شك أن هذا من الإيثار بما كانوا يجدونه، وقد عمل بذلك أيضا خلق كثير.
وفي الإيثار في هذا الشهر ذكر ابن رجب أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- إذا صام لا يفطر إلا مع المساكين، فإذا منعه أهله لم يتعش تلك الليلة، إذا منعوه أن يفطر مع المساكين. وكذلك ذُكر أنه طرق بابه مرة سائل فأخذ حظه من العشاء، وذهب به إلى السائل، وأعطاه السائل، ورجع إلى أهله وقد أكلوا بقية العشاء، فبات طاويا وأصبح صائما.
وكان كثير منهم يصومون تطوعا ويخفون صيامهم، فكان أحدهم إذا خرج إلى محل عمله ..حرفته أو نحوها خرج معه برغيفين، فأهله يعتقدون أنه أكلهما فيتصدق بهما، وأهل السوق يعتقدون أنه قد أكل في بيته، فيمسك نهاره ولا يشعر أحد أنه صائم، مخافة أن يفتخر بصيامه، أو أن يتمدح به.
وهكذا أيضا ذكر ابن رجب أن كثيرا من السلف كانوا يطعمون إخوانهم الحلوى وأنواع المأكولات الشهية وهم صيام، وكان أحدهم يقدم لتلامذته الطعام ويقف يُروِّحهم وهو صائم، وهم يأكلون، يروحهم يعني: يستعمل المروحة اليدوية عليهم، حتى لا يحسوا بحر في شدة الحر ونحوه، وكثير منهم إذا طرق الباب سائل وقال: من يقرض الولي الغني؟ يقول: عبده المعدم من الحسنات. فإذا خرج وأعطاه ما عنده بات طاويا.
هكذا كانت حالتهم في أنهم يتصدقون بما يقدرون عليه، يقول ابن رجب -رحمه الله- بعدما ساق هذه الأمثلة: سلام الله على تلك الأرواح، رحمة الله على تلك الأشباح، ما مثلنا ومثلهم إلا كما قال القائل:
نزلـوا بمكـة فـي قبائل هاشم
ونزلـت بـالبيداء أبعـد مــنزل
يمثل أن أهل زمانه بالنسبة إلى أولئك السلف رحمهم الله تعالى مثل من نزل بوسط مكة وبين بني هاشم، ومن نزل في البيداء أي: في المكان البعيد، البيداء التي تبعد عن مكة نحو ثلاثمائة كيلو أو مائتين؛ تلك البيداء، واستشهد أيضا مرة بقول الشاعر:
لا تعـرضن بذكرنـا عـن ذكرهـم
ليـس الصحيح إذا مشـى كالمقعـد
أي: لا تعرض بذكرنا عندهم فإننا لن ندركهم، هذا وهو في زمن ليس مثل زماننا، زماننا قد اشتدت فيه غربة الإسلام، وقل فيه من يقتدي بأولئك السلف الأعلام.
ولكن بكل حال لا نعدم -إن شاء الله- من يقتدي بقدر جهده بما أعطاه الله تعالى بأولئك السلف الصالح، سواء في أعمالهم المفروضة أو المستحبة أو ما أشبهها.

line-bottom