تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. logo إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية.
shape
مجموعة محاضرات ودروس عن رمضان
20917 مشاهدة print word pdf
line-top
السلف وكثرة الصدقات حال صيامهم

وأما هديهم في الصدقات فقد عرف عنهم -رضي الله عنهم- أنهم كانوا يؤثرون على أنفسهم كما مدحهم الله، مدح الله تعالى الصحابة بقوله تعالى: وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ونزلت هذه الآية في أحد الصحابة؛ في صحابي يقال له: أبو طلحة في قصته لما أنه أخذ ضيف النبي -صلى الله عليه وسلم- ليعشيه، فقال لامرأته: هل عندك من طعام؟ فقالت: ما عندي إلا عشاء صبيتي؛ فقال: نوِّميهم إذا طلبوا الطعام، ثم إذا جاء ضيفنا وبدأ يطعم فأطفئي السراج وأوهميه أنا نأكل. فقدموا إليه عشاءهم وعشاء صبيتهم، ثم أصبحوا وقد نزلت هذه الآية: وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ولا شك أن هذا من الإيثار بما كانوا يجدونه، وقد عمل بذلك أيضا خلق كثير.
وفي الإيثار في هذا الشهر ذكر ابن رجب أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- إذا صام لا يفطر إلا مع المساكين، فإذا منعه أهله لم يتعش تلك الليلة، إذا منعوه أن يفطر مع المساكين. وكذلك ذُكر أنه طرق بابه مرة سائل فأخذ حظه من العشاء، وذهب به إلى السائل، وأعطاه السائل، ورجع إلى أهله وقد أكلوا بقية العشاء، فبات طاويا وأصبح صائما.
وكان كثير منهم يصومون تطوعا ويخفون صيامهم، فكان أحدهم إذا خرج إلى محل عمله ..حرفته أو نحوها خرج معه برغيفين، فأهله يعتقدون أنه أكلهما فيتصدق بهما، وأهل السوق يعتقدون أنه قد أكل في بيته، فيمسك نهاره ولا يشعر أحد أنه صائم، مخافة أن يفتخر بصيامه، أو أن يتمدح به.
وهكذا أيضا ذكر ابن رجب أن كثيرا من السلف كانوا يطعمون إخوانهم الحلوى وأنواع المأكولات الشهية وهم صيام، وكان أحدهم يقدم لتلامذته الطعام ويقف يُروِّحهم وهو صائم، وهم يأكلون، يروحهم يعني: يستعمل المروحة اليدوية عليهم، حتى لا يحسوا بحر في شدة الحر ونحوه، وكثير منهم إذا طرق الباب سائل وقال: من يقرض الولي الغني؟ يقول: عبده المعدم من الحسنات. فإذا خرج وأعطاه ما عنده بات طاويا.
هكذا كانت حالتهم في أنهم يتصدقون بما يقدرون عليه، يقول ابن رجب -رحمه الله- بعدما ساق هذه الأمثلة: سلام الله على تلك الأرواح، رحمة الله على تلك الأشباح، ما مثلنا ومثلهم إلا كما قال القائل:
نزلـوا بمكـة فـي قبائل هاشم
ونزلـت بـالبيداء أبعـد مــنزل
يمثل أن أهل زمانه بالنسبة إلى أولئك السلف رحمهم الله تعالى مثل من نزل بوسط مكة وبين بني هاشم، ومن نزل في البيداء أي: في المكان البعيد، البيداء التي تبعد عن مكة نحو ثلاثمائة كيلو أو مائتين؛ تلك البيداء، واستشهد أيضا مرة بقول الشاعر:
لا تعـرضن بذكرنـا عـن ذكرهـم
ليـس الصحيح إذا مشـى كالمقعـد
أي: لا تعرض بذكرنا عندهم فإننا لن ندركهم، هذا وهو في زمن ليس مثل زماننا، زماننا قد اشتدت فيه غربة الإسلام، وقل فيه من يقتدي بأولئك السلف الأعلام.
ولكن بكل حال لا نعدم -إن شاء الله- من يقتدي بقدر جهده بما أعطاه الله تعالى بأولئك السلف الصالح، سواء في أعمالهم المفروضة أو المستحبة أو ما أشبهها.

line-bottom